في الخوف والعزلة الكاتب فادي قوشقجي يتناول مجموعة من المحاور التي تتداخل فيما بينها مشكّلة قصة اجتماعية معاصرة هي قصتنا وقصة الكثيرين ممن يشاطروننا الزمان والمكان..
المحور الأول هو ما يعانيه الإنسان من تخبط حين يفتقد للحب، أو حين يفشل فيه. نتساءل هنا: ماذا قد يحدث للإنسان في ظل غياب الاستقرار العاطفي (والجنسي ضمناً)؟ كيف يعيش؟ كيف يفسر هذا الفشل؟ كيف يعوّض عنه؟ أي نوع من السعادة قد يبحث عنه في ظل فقدان هذا البُعد؟ وما نوع تلك المشاعر التي تتصارع داخله فيما هو يحاول أن يتصالح مع نفسه ومحيطه في ظل هذا الغياب؟
والمفارقة أن أهم الشخصيات التي هجرها الحب في عملنا هم أربعة أشقاء كان والدهم الراحل قد أطلق عليهم أسماءً يشكل جمع أحرفها الأولى كلمة “الحب”! إنهم (أكرم – لميس – حسام – بسمة)، وقد كانت لدى الراحل بدائل جاهزة لكلا الجنسين المحتملين لكل مولود منتظر. المهم أن يكونوا “الحب”! الرجل كان متفائلاً جداً بهم من هذه الناحية إذن.. لكنهم لم يكونوا عند حسن الظن!
أما ثاني المحاور فهو العوالم السرية الخاصة للإنسان.. فبسبب فقدان الحب، ولأسباب عديدة أخرى، يذهب المرء إلى بناء عالم خاص به أحياناً يحجبه عن عيون أقرب المقربين إليه.. وإذا كانت القاعدة البوليسية تقول إنه “لا جريمة كاملة” فالأمر هنا ليس على هذا النحو من الكمال. فربما كانت هناك “أسرار كاملة” ظلت طي الكتمان وماتت مع أصحابها.. لكن في جميع الأحوال فإن هناك الكثير من الأسرار التي تنكشف أيضاً، وحين تظهر للعيان سيكتشف هؤلاء الأشقاء الأربعة، وآخرون، أنهم لم يعرفوا حق المعرفة حتى أولئك الذين كانوا يعتقدون أنهم يشاطرونهم كل التفاصيل وكل اللحظات
ثالث المحاور وآخرها هو الصراع الدائر بين نوعين من القيم: نوع يعرّف “النظافة” على أنها مرتبطة بالفعل بتلك المثل الإنسانية التي تجعل من الإنسان أعلى قيمة في الوجود، وعلى أنها مرتبطة بالفعل بالانتماء إلى المكان وتحمّل النصيب اللازم من همومه إلى جانب – أو قبل – التفكير بالتمتع بالنصيب المستحَق من خيراته… ونوع لا يهتم كثيراً بامتلاك تعريف لهذه “النظافة” أو ذاك “الانتماء” (هو لا يستعمل أصلاً هذه المفردات المجلوبة في رأيه من قاموس خطاب “خشبي” أكل الدهر عليه وشرب).. وإذا عرّفها فهو يفلسف الأمر فيخطف المفردات نفسها مطوّعاً الحقائق لصالح منطقه، فيوافق على أن الإنسان هو أعلى قيمة في الوجود (ومن ذا الذي يستطيع أن يجهر بالعكس؟!) لكن الممارسة تبيّن أن المقصود هو ذاك “الإنسان” النخبوي الذي اصطفته عوامل متعددة أهمها براعته في التسلق والارتهان، ويوافق على أن الانتماء يقتضي تحمّل النصيب اللازم من هموم المكان (لا بل يتجاوز ذلك بخطوات زاعماً لنفسه تاريخاً من التضحيات في هذا المجال) لكن الممارسة تبيّن أنه ينتمي أولاً وأخيراً إلى مصلحته الشخصية أو الفئوية، فإن تطابقت مع “المكان” فله تُكتب القصائد، وإن لم تتطابق فليس هناك ما هو أكثر سهولة من القفز فوراً إلى الحصان الرابح.
إن نوعي القيم هذين متوفران في كل مكان: فهما – كلاهما – موجودان في السلطة، وهما – كلاهما – موجودان في المعارضة، وبطبيعة الحال فإنهما – كليهما – متوفران بين عموم الناس..